كانت قادمة من بعيد , فكر أنها تمشي بسرعة جوار سور الكورنيش , أسرع من المعتاد , فتصدر الجيبة الضيقة صوتا قريبا من خفقان أشرعة مراكب النيل التي يراقبها منذ ساعة , حين فكر في التشبيه بدا له مناسبا جدا , يكتبه مثلا في مذكراته الخاصة: جيبة دعاء كانت تخفق كأشرعة المراكب , دعاء لن تكون الوحيدة دون شك في مذكرات كهذي, لذلك سيتحدث عن جيبتها بحنين كبير , اقتربت فرنّ صوت الجيبة في أذنه , مثيرا جدا و جذابا جدا .. كان لا يفكر في أي شئ غير أنه الآن على وشك البدء في أول ميعاد له في حياته.. لا يعرف تاريخها العاطفي الكامل بعد..هذا هو اللقاء الأول بعد مناوشات بسيطة..لكنها تبدو له بريئة إلى حد كبير
" إتأخرتي ليه يا دعاء...معادنا كان 2 "
" معلش يا هيثم...أخويا أصرّ يوصلني بعربيته لما قلت له إني رايحة لإيمان "
تأملها قليلا وهو يشعر بالقلق من أخيها..شاب بسيارة...الصورة تكتمل بجسد ضخم و تجهم شديد يليق بأخ أكبر..لا بأس...دعاء مناسبة على كل حال..فتاة الأورمان شيراتون الثانوية بنات..المكافئ المناسب لطالب الأورمان الثانوية بنين...
" أنا حاسة إني دايخة.."
" حنتمشى شوية و بعدين نقعد نشرب حاجة.."
جوار السور كانا يمشيان أسرع من المعتاد كأن عليهما أن يلحقا بشئ ما ...ضايق ذلك هيثم الذي كان يريد أن يتم الأمر كله هذه المرة على أكمل وجه..القصص القديمة كلها إنتهت دون مواعيد و بسيناريوهات مهينة تماما..لكنه هذه المرة يشعر بالسيطرة الكاملة , يشعر أنه يمثل شيئا مهما لدعاء, أو ربما أقنعها هو بذلك بالخبرة التي اكتسبها من سوابقه غير الجديرة بالتذكّر..لذلك لابد أن تتم هذه المرة بشكل كامل..على الأقل يحصل على قصة وحيدة يحكيها لأي أحد..
" أنا حاسة إني دايخة يا هيثم "
ليس هذا الوقت المناسب لعبارات من هذا النوع يا دعاء
" دايخة إزاي يعني ؟ "
" مش عارفة...حاسة إني دايخة..."
" طيب تعالي نروح نقـ..."
رفعت دعاء راحتها على جبهتها و ترنحت للحظة ثم سقطت على الأرض ...
كان هيثم يتابع المشهد من خارج جسده , من مكان بعيد تماما , كأنه عابر في تاكسي مثلا أو من شباك أتوبيس..مال عليها وهو يناديها بهلع : دعاء..دعاء... , رفع رأسها بيده و حاول أن يرفعها من على الأرض وهو يشعر بإهانة بالغة كبصقة مباشرة على وجهه...لا لأن فتاته ممددة الآن على الأرض يتأملها شعب الكورنيش كاملا بما في ذلك راكبي السيارات العابرة و المواصلات العامة ..ما يحدث الآن أكد له أنه سيظل دائما أفشل من أن تكون لديه قصة واحدة...فاشل ببشاعة..لا تتم له حكايات مثل "مرسي " الذي اصطحب الكثيرات للقناطر و قبّل و لمس و ...أفاق هيثم على اليد التي حطت على كتفه ثم أشارت له إلى تاكسي واقف وراءه جوار الرصيف..حمل دعاء مع فتاة ضخمة و وضعاها في الكنبة الخلفية , بعد ذلك كان الجميع ينظرون إليه...لم يكن بذهنه تصور واضح..لذلك قفز جوارها بينما سائق التاكسي يقول له في المراية : متقلقش يا كابتن...القصر العيني قريب من هنا...
...من سيحب أن يسمع قصة كهذي ؟